ولد البطل أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن تورفيت بن وارتقطين اللمتوني الصنهاجي حوالي سنة 1009 م ، كانت قبيلته لمتونة ، إحدى أكبر قبائل صنهاجة الأمازيغية ، تسكن في ما يسمى اليوم بالساقية الحمراء جنوب المغرب ، و ترتحل بين نهر سينيغال جنوبا و الأطلس الكبير شمالا ( سينيغال كلمة أصلها امازيغي ، من سيناغا ، زيناڨا ، أزناڨ تعني صنهاجي ، أي من صنهاجة ، و لا يزال قسم من سكان ضفاف الوادي يسمون أنفسهم زناڨا ، إزناڨن ، و يتكلمون الأمازيغية إلى اليوم !! ) ، ترعرع البطل وسط قبيلته بالصحراء ، فتعلّم القرآن و الفروسية و فنون القتال ، صادف شبابه بداية تأسيس دولة المرابطين بأرض قبيلة أجداده : لمتونة ، التي احتضنت دعوة الشيخ عبد الله بن ياسين و الأمير إبراهيم بن يحيى ، الذان عزما على تكوين دولة إسلامية قوية لتوحيد شمال إفريقيا حول مذهب أهل السنة و الجماعة ، بدأ نجم يوسف بن تاشفين بالظهور سنة 1056 م لما قاد جيوش المرابطين في معركة سجلماسة ( منطقة تقع اليوم جنوب شرق المغرب ) الحاسمة
من سجلماسة ( تافيلالت ) واصل البطل غزواته نحو الشمال ، و دخل في حرب مع قبائل زناتة التي كانت تحكم المنطقة ، فاحتل أغمات ( إحدى أكبر مدن المغرب آنذاك ) سنة 1057م و قتل حاكمها لقواط المغراوي ، ثم توجه إلى تامسنا معقل مملكة برغواطة ( وسط المغرب ) ، التي كان أهلها يدينون بإسلام منحرف أدمج العديد من العقائد الوثنية ، أين قاد معارك طاحنة استشهد على إثرها إمام المرابطين عبد الله بن ياسين سنة 1059م ، فخلفه ابن عم يوسف ابن تاشفين الإمام ابو بكر بن عمر اللمتوني كأمير للمرابطين ، تزوج أبو بكر بالأميرة زينب تانفزاوت ( زينب النفزاوية ) التي كانت زوجة أمير أغمات لقواط المغراوي ، الأميرة التي يقول ابن خلدون أنها كانت من أجمل نساء عصرها ، كما كانت معروفة بالذكاء و قوة الشخصية حتى انها كانت تلقب بالكاهنة .... امرأة ستغيّر بشخصيتها مجرى التاريخ ....
لكن الفتنة بدأت تدب في الصحراء ، بين قبيلتي كدالة و لمتونة ، خشي الأمير أبو بكر ابن عمر أن تنهار دولة المرابطين نتيجة ذلك الصراع ، فقرر الذهاب إلى الصحراء لإصلاح ذات البين ، و لمواصلة نشر الإسلام في أدغال إفريقيا ، تاركا ابن عمه يوسف ابن تاشفين ليواصل التوسع شمالا ، كما قام أبو بكر بتطليق زوجته زينب النفزاوية آمرا يوسف بن تاشفين بالزواج منها ، لذكائها و سداد رأيها ، فتزوجها سنة 1062م ، في بضعة أشهر ضمّ يوسف بن تاشفين كل أراضي المغرب الأقصى إلى دولته و كون جيشا كبيرا يضم عشرات الآلاف من الفرسان ، و بدأ ببناء عاصمته الجديدة : مراكش ، بعدما أشارت عليه لالا زينب بذلك ، في سنة 1065م عاد الأمير أبو بكر من الصحراء فخشي يوسف بن تاشفين ان تندلع الفتنة بينه و بين ابن عمه ، فنصحته لالا زينب بأن يستقبل ابن عمه دون ان ينزل على جمله ، و ان يلقاه بجيش كبير ، و أن يظهر له الجدّ و الحزم ، مع ملاطفته بالهدايا و الهبات ، فلما رأى ابو بكر كل ذلك علم أن يوسف أجدر منه بالإمارة ، فتنازل له عليها بعدما جمع مشايخ قبائل صنهاجة ، و أصبح يوسف بن تاشفين سنة 1065م أمير دولة المرابطين الفتية .... التي بنيت بسواعد قبائل صنهاجة ، و كسبت دعم قبائل زناتة لما صاهرهم يوسف بن تاشفين و تزوج لالا زينب ، التي تنتمي إلى قبيلة نفزاوة أبناء عمومة زناتة .... اما الأمير أبو بكر فعاد إلى الصحراء و استمر في نشر الإسلام و توسيع الدولة حتى استشهد سنة 1087م
واصل يوسف بن تاشفين توسيع دولته ، فأخضع المناوئين له في الشمال فحاصر مدينة فاس بجيش قوامه 100.000 مقاتل و دخلها سنة 1069م ، و واصل زحفه شمالا فأخضع الريف و طنجة و بايعته قبائل غمارة ، ثم قرر مواصلة التوسع شرقا و مطاردة من لم يبايعه من قبائل زناتة ، فدخل تلمسان سنة 1080م و عمره 71 سنة ، و جعل منها قاعدة لمواصلة توسعه ، و بنى مدينة تاڨرارت ( تلمسان الحالية ) ، ثم واصل الزحف فضم وهران و تنس و جبال شلف و متيجة ، و بنى مسجد الجزائر الكبير ( أتم بناؤه سنة 1097م ) ، و واصل توسعه حتى بجاية التي كان يحكمها بنو عمومته الحماديون ( أمازيغ من صنهاجة كذلك ) ، وعاد إلى مراكش سنة 1081 م بعد ان اتفق مع الحماديين ، عمل بن تاشفين على تقوية دولته و نشر الإسلام و مذهب الإمام مالك ، فكان له الفضل بعد الله تعالى ، في توحيد كل شمال إفريقيا حول معتقد واحد ... كما اعتنى البطل ببناء المدن و المساجد و المدارس في كل مناطق دولته ، كما لقّب بأمير المسلمين ، و السلطان ، لقوة دولته التي أصبحت من أقوى دول العالم آنذاك ، لدرجة انه بعث إلى الخليفة العباسي المستظهر بالله كي يعترف بدولته و سلطنته ، فاعترف الخليفة العباسي بذلك و أقر عليه لقب : أمير المسلمين !! و كان مبعوثا يوسف بن تاشفين إلى العباسيين العالم الشهير أبو بكر بن العربي و والده عبد الله......
تزامن عصر قوّة الدولة المرابطية ، مع اضطراب الوضع داخل الأندلس ، التي ضعف فيها المسلمون كثيرا بسبب تناحر أمراء الطوائف و تسلط المسيحيين ، لدرجة أن ملك المسيحيين ألفونسو السادس تمكن من احتلال طليطلة سنة 1085م ، و وعد باسترجاع كل أراضي الأندلس من المسلمين .... مما دفع بأعيان الأندلس إلى الإستنجاد بيوسف بن تاشفين لإنقاذهم ، فأرسل الأمير المتوكل ابن الأفطس المكناسي الأمازيغي ، أمير بطليوس ، إلى يوسف بن تاشفين يطلب دعمه ، و فعل بعده نفس الشيئ عبد الله بن بولوغين الصنهاجي أمير غرناطة ، و أخوه تميم أمير مالقة ، و المعتمد بن عباد أمير إشبيلية ، أرسل يوسف بن تاشفين طلائع الجيش للإستطلاع و تأمين القلاع ، ثم عبر بنفسه مضيق جبل طارق في جيش كبير مكون أساسا من الإبل ، في خطة منه لأن خيول المسيحيين لم تكن متعودة على الإبل و كانت تفزع و تهرب لما تراها .... إقترح المعتمد بن عباد على يوسف بن تاشفين أن يستريح قليلا بإشبيلية ، ليسمح لجيوش ألفونسو بتنظيم صفوفها ( كان المعتمد في هدنة مع ألفونسو ) ، لكن بن تاشفين تفطن للموضوع و قال جملته الخالدة لابن عباد : "إنما جئت ناويًا جهاد العدو، فحيثما كان العدو وجهت نحوه"
إتفق الطرفان على أن تكون المعركة بسهل يقع اليوم على الحدود الإسبانية البرتغالية ، معركة حشد لها المسيحيون 80.000 مقاتل من جيوش قشتالة و أراغون و نافارا و مرتزقة من أوربا ، وقعت المعركة يوم 12 رجب الموافق ل 23 أكتوبر 1086م ، و عرفت باسم : معركة الزلّاقة .... قيل لأن الخيول كانت تزلق على الأرض من كثرة الدماء ... لكن أكاديميا و علميا ، كلمة الزلّاقة هي تعريب للكلمة الأمازيغية تازلّاغت ، و تعني المكيدة أو الخدعة ، من الفعل الأمازيغي يزلغ.
المكيدة التي عرفت بها معركة الزلّاقة هي كالتالي : إتفق الفريقان على أن يبدأ القتال يوم الإثنين ، لكن ألفونسو خدع المسلمين و بدأ المعركة يوم الجمعة محاولا استغلال يوم صلاة المسلمين ، لكن يوسف بن تاشفين كان متفطنا لإمكانية الخداع ، فضل مختفيا مع أشجع جنوده خلف الجبل ، و انتظر حتى بدأ التعب ينال من الجيش المسيحي ، فانقضّ و من معه كالأسود على المسيحيين رغم تقدم سنه ( 77 سنة ) و أبادوهم تقريبا تماما ( لم ينجوا من المسيحيين سوى 500 فارس ) فكان النصر كبيرا جدا ..... و فرّ ألفونسو و القليل من جنوده لإنقاذ ارواحهم ، بقي بن تاشفين ثلاث أيام بالأندلس لكنه اضطر للعودة إلى المغرب بسبب وفاة ابنه الذي تركه كنائب عنه في مراكش ، الأمير أبو بكر بن يوسف ، عودة استغلها أمراء الأندلس الذين عادوا إلى ماكانوا عليه من الصراع و الإنشغال باللهو ، بل و راسل بعضهم مثل المعتمد بن عباد ألفونسو لكسب دعمه ، فقرر ابن تاشفين ضمّ الأندلس نهائيا و القضاء على ملوك الطوائف ، فعبر البحر سنة 1090م و اتجه اولا نحو غرناطة و مالقة، التي استسلم امراؤها الصنهاجيون إلى بني عمهم يوسف بن تاشفين الذي أعطى لهم الأمان ، ثم توجه المرابطون إلى المعتمد بن عباد حاكم إشبيلية الذي خان المسلمين و طلب المساعدة من ألفونسو ضد المرابطين ، وتمكنوا من هزيمة المسيحيين وجيش ابن عباد في معركة حصن المدور سنة 1091م ، اعتقل قائد المرابطين الأمير سير بن أبي بكر ابن عباد و أرسله و عائلته إلى مراكش ، أين قرر السلطان يوسف بن تاشفين سجنه في مدينة أغمات ..... توفي المعتمد بن عباد في سجنه سنة 1095م ، أين يتواجد ضريحه إلى اليوم و قد رمّمه المسؤولون و اعتنوا به ..... بينما لا يزال ضريح يوسف بن تاشفين بمراكش يعاني من الإهمال ....... للأسف الشديد
واصل المرابطون الحرب في الأندلس و استرجعوا أغلب مدنها من حكم المسيحيين بقيادة البطلين مزدلي بن تيلكان و محمد ابن عائشة إبن يوسف بن تاشفين ، في سنة 1102 عبر السلطان يوسف بن تاشفين البحر للمرة الرابعة و الأخيرة و عمره 93 سنة ، بهدف تنظيم أمور الرعية هناك ، و اجتمع بعلماء و أعيان الأندلس في قرطبة و طلب منهم مبايعة ابنه علي بن يوسف كولي للعهد من بعده ، بعد عودته لمراكش مرض البطل مرضا شديدا ألزمه الفراش حتى توفي رحمه الله يوم 4 يوليوز 1104م و عمره 95 سنة .... حياة قضى معضمها في ساحات الجهاد ، كاتبا أروع صفحات البطولة ، موحدا كل الأمازيغ تحت مذهب أهل السنة و الجماعة ، ناشرا العدل و العلم في كل مكان ... يوسف بن تاشفين الذي ملك الدنيا ، و لم يكن يعرف إلا أمازيغية أجداده في صغره ...
يوسف بن تاشفين الذي يصفه علي بن عبد الله بن أبي زرع الفاسي كما يلي : « .... كان يوسف بن تاشفين معتدل القامة، نحيف الجسم، خفيف العارضين، رقيق الصوت أكحل العينين، أقنى الأنف، له وفرة تبلغ شحمة أذنه، مقرون الحاجبين، جعد الشعر، وكان رحمه الله بطلًا نجدًا شجاعًا حازمًا مهابًا ضابطًا لملكه، متفقد الموالي من رعيته، حافظًا لبلاده وثغوره، مواظبًا على الجهاد، مؤيدًا منصورًا، لباسه الصوف، ولم يلبس قط غيره، وأكله الشعير ولحوم الإبل وألأمير المسلمين يوسف بن تاشفين. وكتب على الظهر: الإمام عبد الله أمير المؤمنين، ضرب هذا الدينار بمراكش سنة ثلاثة وسبعين وأربعمائة ....... بطل من أبطال شعبنا ، أطال في عمر الإسلام في الأندلس لقرابة 4 قرون بعد معركة الزلّاقة الخالدة ..... بطل كان ينام على الحصير ، و يلبس الصوف ، و يأكل الشعير ..... رحمه الله وجعله مع الأنبياء والصالحينبانها، مقتصرًا على ذلك. خُطب له بالأندلس والمغرب على ألف منبر وتسعمئة منبر، ردَّ أحكام البلاد إلى القضاء، وأسقط مادون الأحكام الشرعية، كان حسن الأخلاق، متواضعًا، كثير الحياء، جامع لخصال الفضل .... " البطل الذي كان دائما ما يلبس لثام أجداده الصنهاجيين ..... لثام لا يزال يلبسه أحفاده من التوارڨ إلى يومنا هذا ........
يوسف بن تاشفين الذي بنى مراكش ، التي كانت من أكبر مدن الدنيا آنذاك ، و بنى جامع الكتبية الذي لا يزال شامخا إلى اليوم ، يوسف بن تاشفين الذي ألغى كل الضرائب و الرسوم في دولته ، معتمدا فقط على أموال الزكاة و الغزو ، يوسف بن تاشفين الذي ضرب السكة بنقود من ذهب كتب عليها :
في الوجه : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين